الغش بين المقاربة الوزارية و التناول الإعلامي
بقلم: حسن ازوغ
انتهت الأيام الثلاثة لامتحانات الباكالوريا. رافقتها
بالموازاة عشرات من المقالات الصحفية التافهة، إلا ما رحم ربك. مقالات في عمومها
تسعى لإثبات ذاتها عبر انتقاد النظام التعليمي و الوزارة الوصية ، انتقادا جاهزا.
و كأن بي أرى هؤلاء الصحفيين يفتحون أرشيفهم الخاص بهذه المناسبة لإعادة نسخ الجمل
الممجوجة القديمة، كأستاذ كسول يشتغل بنفس مذكرات عمله التي حضرها قبل عشرين سنة
مضت. أو كخطيب جمعة يحتفظ بخطبة لكل مناسبة على مدار السنة لينتهي الأمر
بالمصليين، الشيوخ منهم على و جه التحديد، بحفظها عن ظهر قلب..
إن ما آلت إليه أمور شباب هذا الوطن أدهى و أمر من أن نستمر في تناوله بمنطق
السخرية السوداء. لأن أي غيور على هذا الوطن يجب أن يذرف دموعا حقيقيا عندما يرى
طوابير المهندسين و الأطباء و المدرسين و الضباط ... الذين ينتظرون دورهم للإمساك
بزمام أمور هذا البلد مسلحين بانعدام الكفاءة و غياب القيم أيضا، شباب انتهازي
و ميكيافيلي، شباب كسول و غشاش إلا قلة قليلة، يسعى لنيل شهادة الباكالوريا بأي ثمن إلا ثمن
الجد و الإستحقاق... مشاريع مومسات صغيرات تعرضن ما تبقى من أجزاء أثدائهن المكشوفة
أصلا طمعا في تشتيت انتباه المراقب عن تأدية دوره، أو تجميعه، إذا صح
التعبير، في اتجاه مقايضة مسبوقة
الدفع.... شباب شبه أمي لا يحفظ من الأسماء سوى أسماء اللاعبين و المطربين، و لا
يستطيع أن يصوغ من جمل اللغة العربية اكثر مما يحفظه عن معلقي قنوات الجزيرة الرياضية..
تلاميذ كل همهم "تشويكة" الشعر و معاكسة الفتيات و لا يجدون غضاضة في
منافسة تلاميذ نجباء آثروا الجد و الإجتهاد على نزواتهم الصغيرة ، بطرق غير
مشروعة. و فتيات اعتادت منافسة قيدومات الدعارة على انتقاء سيارات الزبائن طوال
الموسم الدراسي و تطمع في تجاوز أنجب التلميذات المواظبات عبر بلوتوت آخر صيحات
الهواتف التي جادت بها غريزة "الفاكانس".. تلاميذ يعتبرون الغش حقا من حقوقهم التي لا
تناقش، و كل تدخل من المراقب هو اعتداء صارخ في وجه حقهم المشروع يبرر لهم التصدي
له و حتى التهديد بتصفيته الجسدية. و قد لا نفاجأ غدا إذا سمعنا أن تلميذا
اقدم (في خطوة نضالية، كما ستصفها
الجرائد) على حرق نفسه احتجاجا على منعه
من الغش..
إن الوضعية الكارثية التي أصبحت تعيشها منظومتنا القيمية
و الأخلاقية قبل التعليمية و المعرفية، تستوجب منا
الوقوف وقفة رجل واحد يساريين و إسلاميين و علمانيين، قصرا و حكومة و
إعلاما و كل مثقف يملك ذرة تأثير في هذا الشعب، بدل تبادل الإتهامات و تبخيس كل
المبادرات دون الإنخراط الجاد في الحلحلة.
اليوم يقود وزير التعليم حربا ضروسا -ابتدأ معركتها
الأولى السنة الماضية- على الغش في الإمتحانات و لا يسعنا إلا أن نثمنها، (و نثمن
التغير الملموس بين السنة الماضية و هذه السنة على الأقل في تراجع مستوى الإستعداد
للغش لدى المترشحين). فلن يدرك قيمتها أكثر من المراقب الأعزل الذي يجد فيها الدعم
النفسي و العزاء المعنوي عندما يجد نفسه محاصرا بتهديدات و توعدات الغشاشين من جهة وتماطل و سلبية بعض الإداريين
من جهة أخرى عند تفعييل آليات الزجر و تباطؤ بعض رجال الأمن في توفير الحماية
لهم. لكن معظم الأقلام الصحفية للأسف تجد
غصة في عدم إبخاس الرجل مبادرته و كأنها ضمنيا أصبحت مع ظاهرة الغش وتردي القيم
ضدا فقط على التوجهات الرسمية. أم أن على الوزير الدعوة إلى تشجيع الغش حتى تستطيع
هذه الصحف الدفاع عن القيم و الأخلاق دون أن تنزلق في محاباة الوزارة الذي تعتبره
استسلاما و انبطاحا في جميع المواقف؟
إن الجرأة ليست
دائما في نقد الحكومات، و ليس مديحها دائما ضرب من التملق.. فسنوات الرصاص قد ولت و من حظي بشرف نقد
الوزراء قد حظي به أيام ادريس البصري..
أما اليوم فالجرأة هي القدرة على
قول الحقيقة حلوة كانت او مرة . بل و قبل ذلك القدرة على تطويع أنفسنا و تجريدها
لرؤية الحقائق خارج مناظيرنا الضيقة التي ألفناها و التي سطرتها لنا سلطة أكبر من
سلطة الوزير، إنها سلطة لوبيات المال و
النفوذ و منطق المبيعات و الربح .
مواضيع سابقة لكاتب المقال:
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire